top of page
Search

جنّة عدنّ بس بثمن !




لا أنسي هذه اللحظة من العام ٢٠١٧ في باريس.

محفورة في ذاكرتي بقوة و أود أن أشارك البعض فرغم اختلافاتنا، أعي أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما نظن.


أثناء رحلة التشافي أو التعافي، بيكون في لحظة صعبة إن لم تكن أصعبهم.

هي اللحظة اللي بيتم اكتشاف الجزء المظلم في ذواتنا الشخصية.

هذا شعور القاع و رغم قسوته، الا أنه شعور صفر.

شعور ما بعده فقط موجب لا سالب هنا بعد الصفر.


لحظة مواجهة الظل كما تمت تسميتها من علماء النفس و الروح البشرية، هي لحظة الولادة الجديدة و ما أصعبها و ما أجملها في نفس الوقت.


هنا يجد الشخص منا نفسه ينظر في عيني مرآته و يصيح : “ لقد كنت سبب في هذا كله “ !


و دون أن ندري ، نجد أنفسنا في حالة غضب ما بين نكران هذاه كله و الشعور بأننا ضحية هؤلاء من أجرموا في حقوقنا و لم ينالوا عقابهم بل و حتي لم يعتذروا لنا !


أناس كثر لا يصلون لهذه المرحلة من الشجاعة الذاتية و القوة الذاتية لمواجهة المظلم فينا.

أناس كثر يفضلون البقاء فيما يعرفونه و يهابون التغيير ظنا منه أنه سيكون للأسوأ.


و لكن


لا تنزعج إذا أنقلبت حياتك رأساً على عقب ، فكيف تعرف أن الجانب الذي اعتدت عليه ، أفضل من ذلك الجانب الذي سوف يأتي.

- جلال الدين الرومي


هذه هي الرحلة الأساسية التي منها و خلالها نسلخ عنا جلود الماضي و نتلمس جلودنا الرقيقة الجديدة.


كيف لنا العبور؟


مرشدين روحيين ، أنبياء ، مفكرين ، فلاسفة ، علماء و غيرهم خلال تاريخ البشرية شاركونا بالعديد من الحكم و القصص و الأساطير التي تساعدنا في هذا الطريق.


ما أفادني في رحلتي هو الفشل، لم يعد مجال هنالك لأي هروب و لكن احتفظت روحي بالشجاعة. لذلك أذكر مبدئيا شجاعة المواجهة الذاتية التي مسكت بيدي لمجاراة النكران و دور الضحية و إدراك الغضب!


ذلك مهد لي الطريق حتي وصلنا لهذه المرحلة ، مرحلة القبول ، قبول ما جرى ، قبول الألم الذي كان ، قبول الشخص الذي أنا عليه . قبول ما لم أستطع تغييره في الماضي. نعم هذا كله قد حدث لي أنا. و لكني لا أريد الاستمرار في التعريف عن نفسي بما حدث لي .. أنا أنا ليس ما حدث ! أليس هذا ما سمعته في حديث عن التشافي؟!


سيكون من الصعب الجلوس فرادى و البوح : “ أنا اللي جبت ده كله لنفسي “ و لكن بعد يوم .. اثنان أو أكثر

وجب عليا أن استمع لما قاله الأولين


| لا يكلف الله نفسا الا وسعها ! |


إذن أنا استطيع.


ماذا عليا أن أفعل الآن؟

لقد قبلت ما لم أستطع قبوله في عشرات السنين، و ها هي اللحظة التي تطلب مني شجاعة أخري !


أسامحهم؟!


لقد قبلت بقوة النار و بعد مجهود جبار و الآن تطلبون مني مسامحة من آذوني؟


يا لسخرية الحياة.


يكررون :

بدون غفران ، سيتبقي داخلي و داخل روحي و عقلي و قلبي و جسدي أيضا بقايا الأذي و لن تتيح لي حياة جديدة كما أطمح لنفسي .. التروما لا تشفي من نفسها .. تريد قرار و التزام و إيمان بالأساس.


و إلا سيظلون بظلالهم الداكنة يحومون في مساحاتي و أحلامي و مشاعري و يجاوبون عني بلا وعي حين يتم سؤالي و سأظل أنا في دائرة ألم تكرر ذاتها بلا هدف و لا وجهة و أنا التي تحلم بسفينتي تشق محيطات جدد و تنير سماءات حياتي بحب و بهجة و حرية …


كيف لي فعل ذلك يا الله ؟


لا بد من موت إذن .

عليا أن آخذ ما عرفته عني و لم يعد يعينني على حياتي ، صور ، منازل ، شخوص ، علاقات ، قصص ،

كل هذا يموت ليحيا من جديد. يموت دون أن تناسيه و لكن عدم عيشه مرة أخرى.

ليتم ما يلمحون عنه ..


بعث


شهر .. اثنان .. أو أكثر


الذات الخارجية لازالت تنتظر الاعتذار .

و أري ذاتي الحقيقية في أحلامي تطمح للنهار.


في ذلك الوقت معالجي الروحاني ينصحني بالتعبير عن نفسي و هو الشيئ الذي ظننت أني أجيده جدا و لكن فيما يخص آلامي ينعقد لساني أحيانا.

ينصحني أن اكتب أصور أطبخ أمشي .. اعبر بأي طريقة و كل طريقة و يؤكد :


" ما يؤلمنا في أرواحنا و قلوبنا و عقولنا ، نجد صداه في جسدنا ! و أنتي تغتسلين جسدك ، ذكري نفسك أن تخرجي بالماء ما تشعري أنه وجب إطلاقه من صفحتك الجديدة. واظبي على هذا الفعل . الماء مقدس و طاقته من طاقه الخلق. كوني واعية بهذا من الآن و صاعدا ! "


نفسي الجديدة تتطلب الكثير من الحب مني ...

لقد اعتدت علي مشاركة هذا الحب مع الآخر و الآن نفسي تطلبه بشكل مباشر و واضح و بدون اعتذارات. فلينتظر الآخرون قليلا اذن.


و لجسدك عليك حق.


إذن استمعي يا مروى.



لم تكن أعوام هينة، و لكنها لم تكن هباءا أيضا. فكل التجارب و الإخفاقات و الآلام لديها سحرها الخاص الذي يتجلي مع الوقت لتتبين الأسباب..


و يتضح معني : “ أنا اللي جبت ده كله لنفسي “ .. ها هو الشعور بالذنب يتسلل الي ..


أنا مذنبة اذن !


لا أحب هذا الشعور ، أفضّل الغضب أو النكران .


لا أستطيع حلّه بمفردي.


أتوجه لمعالجة أخرى ، تنصحني بمتابعة أحلامي و التوصل لجذور هذا الإحساس لمعرفة طرق تحريره .


أتعمق في هذا العالم و أجد كنوز لم أتوقع أن أجدها ! كل هذا كان هنا و أنا “ نايمة في العسل “؟!


أشهر عديدة و فصول السنة تختلف و أنا أشعر ببذور التغيير.


ترشدني معلمتي الخمسينية ذات الصوت الطفولي نحو طريق أكثر رأفة .. تقول لي بلغتها الحكيمة الحنونة :


“ مروى .. لا جدوي من الهرب من المشاعر .. و لا من جسدك ..

حين يطلب منك الماء ارويه و حين يطلب منك الدموع اعطيه ..


هذه طبيعتنا .. كلما احتويناها كلما اغدقت علينا بنعم لم نكن نعلم أنها متاحة لنا ..


اجعلي المشاعر في حالة حركة ..


Let the emotion be in motion


أشعري بها و اخلي لها مساحة و وقت كافي و لكن لا تكوني هذه المشاعر .. كوني عليها رقيب !



تعلمني مبدأ للتنفس ..


٤ - ٧ - ٨


ما هذا؟!


حين أشعر بهذا الطاقة القوية التي تلازم مرحلة التشافي ، اركز نفسي في الحاضر الآن.


اجلس في مكان هادي دون أن اعقد ذراعي أو قدمي . اخلق لنفسي خصوصيه. يا سلام لو في طبيعة أو شايفة سما

و اغمض عينيا و ابدا التنفس العميق .


شهيق في ٤ عدات

احتوي هذا النفس في رئتي لمدة ٧ عدات " اكتم نفسي ايوه ".

زفير في ٨ عدات

أول مرة لم استطع احتواء النفس لاكثر من ٣ عدات ..

شجعتني .. استمري ..


اوك.


مرة اخري.


٤ عدات شهيق

٧ عدات النفس في داخلي

٨ عدات زفير

مجهود .. اشعر بدمي و رئتي كمن لم تشعر بهم من قبل


بعد ١٠ ق من هذا التمرين اجد نفسي ابكي


هي لا تنبس بكلمة. حاضرة جدا.



اخرج لساني و المس دموعي المالحة و ابتسم و أخبرها أن هذا التكنيك سحري.


تخبرني بهدوء و ثقة : ليس هنالك إلا ما هو سحري.


نحن هنا لنحيا حياة كاملة و لكن علينا أن نقدم من ذواتنا للحياة حتي تقدم لنا الحياة هباتها ..


اكملي !



هذا المرحلة أساسية ، مسامحة الآخر ، مسامحة الماضي ، مسامحة هذه الفضاءات التي كانت إشارات لنا للبعث !

و لكن تضعنا في موقع حساس مع أنفسنا …


كيف أسامح نفسي؟


كيف أغفر لنفسي فترات حزن ، اكتئاب ، فشل ، نكران ، هرب ، كيف اغفر لي أنا ؟



هذا أهم غفران ع الاطلاق.


كلما شعرت بهذا الشعور … كوني رقيبة على مشاعرك و أفكارك !


أسامح نفسي و اختار أن اخلق نفسي من جديد.


أسامح الأذى الذي ارتكتبه في حق نفسي حين أنكرت صوت روحي .

أسامح نفسي حين تغاضيت عن حدسي.

أسامح نفسي حين عبرت عن نصف حقيقتي.


أسامح نفسي حين أغلقت أذني عن حقيقة احدهم .

أسامح نفسي حين أهملت جسدي .


أسامح نفسي عن ما أذكر و ما تناسيت


أسامح نفسي …. أ س ا م ح ن ف س ي


روتين ٣ أشهر كل يوم كل يوم كل يوم كل يوم


بعد سنة ..


تتراءي لي صور عن أناس آذيتهم بدون قصد “ أو هكذا أحب أن أتذكر “ و أنا في ظلال نفسي الداكنه ..


كيف أطلب منهم المسامحة يا الله ؟


ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو اخطأنا … ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته علي الذين من قبلنا ..


يخبرني المرشد الروحي السبعيني الرشيق أنه يمكنني أن أوصل لهم اعتذاري روحيا بدون أي تواصل فعلي.


أحب هذا أكثر.


اعزم أني اكثر وعيا بطاقتي الآن و ها أنا احمي هالتي و أعتز برحلتي و أذكر نفسي أن الهدف أن اعيش هنا و الآن.


الآن أهم من الأمس آلاف المرات.


يشجعني و يذكرني أننا أرواح في حياة جسدية و لكننا دوما هنا.


ابتسم و اعود لمنزلي مسرعة ارسل رسائل كتبتها و احرقتها ..


رسائل سجلتها و محيتها ..

رسائل حلمت بها و بقيتها في دفتري.


أتخفف كثيرا


أرقص


أقفز


أمشي منتشيه


أتلذذ بإفطاري


أصوم كثيرا


أسافر كثيرا


أقرا أكثر


أتعلم بنهم


أدرس بشغف


أكتب أكثر و أكثر


الحياة تدللني و ترحب بما أشاركه بحب ،

تنقلني من بلد لآخر و من مدينة لأخرى و من علاقات لأخرى

و أنقل من غرفة صغيرة لمنزل واسع. و أحلامي تتحقق واحد تلو الأخر


و أبكي....


من الحب و الجمال و الحرية التي لم أسع لغيرها.


أري صدى محبة الكون لي الذي كان همسا .. يعلو و يعلو و أنا الآن انصت كثيرا.



أضم جميع المروات السابقة و احتضنهم جميعا و أقبلهم و أشكرهم و أحررهم و أبقيهم في دفتري الخاص

و أمشي حرة هنا و الآن .


ها هي الروح الجديدة تنبت براعم صغيرة رقيقة يجب علي رعايتها و إتاحة ضوء الشمس لها

يجب عليا أن أرويها و اقبلها و أعتز بالموت الذي وهبني حياة جديدة و وجهة للنور فقط !

و أتذكر قصة قرأتها في كتاب قيم تروي عن زيارة الاسكندر الاكبر ، لواحد من أهم المعلمين الروحيين في زمنه المعلم ديوجينز ، حين سأله الاسكندر إذا كان يريد منه أي شيء ؟


رد المعلم ديوجينز وقتها و قال : فقط قف بعيد عن نوري. فقط لا تقف حاجبا نوري عني.


when Alexander the great visited the greatest spiritual teacher of his time, Diogenes, and asked if he could do anything for the famed teacher, Diogenes replied, ‘ Only stand out of my light. ‘



من في رحلة تشافي و تعافي يعلم أن هذا الوجود هو وجود متغير و نحن هنا لنموت و نحيا و نبعث من جديد و نموت و نحيا و نبعث من جديد و من يرى موته في حياته ، يعش أكثر و أجمل.


التعافي هو هديتك لنفسك ، و هديتك لكل الناس اللي حواليك و هديتك للكون اللي من دون ما تحس هتلاقيه يبعتلك طبطبه روحيه و جسدية و عاطفية و عقلية !


الكون مستني تعافيك عشان يدخلك جنته ، جنة عدن لكن بثمن .

خاف عادي و ابدا و إنت خايف و كل يوم خوفك يقل و استمر و اصبر و آمن و اتفائل دايما.


و آه كلنا نقدر نعيش جنتنا هنا و جنتنا هناك، لما الرحلة دي في الثوب الجسدي ده تخلص !


"ما الذي يجعل المرء بطلاً؟

... أن يحتضن معاناته الكبرى وأمله الأكبر معاً"

—فريدريك نيتشه كتاب"العلم المَرِح"



جمعة طيبة !

مروى زين. ٢٢ يوليو ٢٠٢٢

26 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page